اَلْحَضَارَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بَيْنَ الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ.
اَلْحَضَارَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ بَيْنَ الْأَمْسِ وَالْيَوْمِ.
أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِهِ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، هُدًى لِلْمُسْلِمِيْنَ وَلِلنَّاسِ جَمِيعًا،
فَاحْتَاجَ الْمُسْلِمُوْنَ إِلَى قِرَاءَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْكَرِيمِ، وَ فَهْمِ
مَعَانِيْهِ، فَظَهَرَتْ عُلُومُ الْقِرَاءَاتِ، وَ عُلُومُ التَّفْسِيرِ،
وَالتَّفْسِيرُ، وَعُلُومُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَاحْتَاجَ الْمُسْلِمُوْنَ
إِلَى أَنْ يَفْهَمُوا الشَّرِيْعَةَ، فَظَهَرَتْ عُلُوْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَ
الْفِقْهُ، وَقَدْ فَرَضَ الْقُرْآنُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِي
أَحْوَالِ الْكَوْنِ، وَهَذَا اِهْتَمَّ الْمُسْلِمُوْنَ بِالْعُلُومِ
التَّجْرِيرِيبِيَّةِ، فَظَهَرَتْ عُلُوْمُ الْكِيْمِيَاءِ، وَالْفِيْزِيَاءِ،
وَالطِّبِّ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ الطَّبِيعِيَّةِ. وَ ظَهَرَ
الْمَنْهَجُ التَّجْرِبِيُّ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِيْ تَارِيْخِ الْحَضَارَةِ
الْبَشَرِيَّةِ عَلَى عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ.
وَ اعْتُبِرَ ابْنُ هَيْثَمَ مِنَ الرُّوَّادِ
الَّذِيْنَ يُؤَسِّسُوا الْمَنْهَجَ التَّجْرِبِيَّ فِي عِلْمِ الْفِيْزِيَاءِ،
فَهُوَ يُنْشِئُ عِلْمَ الضَّوْءِ. وَاشْتَهَرَ الْبَيْرُونِي بِقِيَاسِ أَبْعَادِ
الْأَرْضِ، وَبَيَانِ كُسُوْفِ الشَّمْسِ، وَ نَاقَشَ الْأَدِلَّةَ عَلَى
كُرَوِيَّةِ الْأَرْضِ، وَدَوَرَانِهَا حَوْلَ مِحْوَرِهَا وَ حَوْلَ الشَّمْسِ،
وَابْتَكَرَ مِرْصَادًا لِرَصْدِ الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ.
وَنَجَحَ الرَّازِيْ فِي الطِّبِّ، وَكَانَ لَهُ
مَعَارِفُ طِبِّيَّةٌ وَاسِعَةٌ لَمْ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ قَبْلَهُ. وَلُقِّبَ
بِأَمِيْرِ الْأَطِبَّاءِ. وَكَانَ ابْنُ نَفِيْسٍ أَوَّلَ مَنْ اِكْتَشَفَ
الدَّوْرَةَ الدَّمَوِيَّةَ، وَبَيَّنَ حَرَكَةَ الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ فِي
الرِّئَتَيْنِ وَفِي الْجِسْمِ، وَاشْتَهَرَ كَذَلِكَ بِتَشْرِيْحِ الْجِسْمِ،
وَهُوَ أَسَاسُ عِلْمِ التَّشْرِيْحِ. وَسَبَقَ كَذَلِكَ عُلَمَاءُ الإِسْلَامِ
فِي الرِّيَاضِيَّاتِ مِنْهُمْ اِبْنُ جَابِرٌ الْبَيَّانِي، وَمُوسَى ابْنِ
شَاكِرِ، وَالْبَيْرُوْنِي.
هَكَذَا كَانَ الإِسْلامُ مِنْ أَقْوَى عَوَامِلِ
التَّقَدُّمِ الْحَضَارِي فِي مَيْدَانِ الْعُلُومِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَهَكَذَا
تَقَدَّمَتْ اَلْحَضَارَةُ الْإِسْلامِيَّةُ فِي الْوَقْتِ الَّذِيْ كَانَتْ
فِيْهِ أَوْرُبًا فِيْ ظَلَامِ الْجَهْلِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُسَمَّى
بِالْقُرُوْنِ الْوُسْطَى. وَالْيَوْمَ نُشَاهِدُ كَثِيْرًا مِنَ الدُّوَلِ
الْغَرْبِيَّةِ فِي أَمْرِيْكَا، وَأَوْرُبًا لَهَا سَيْطَرَةً عُظْمَى عَلَى
الدُّوَلِ الْإِسْلامِيَّةِ وَغَيْرِهَا، مِنَ الدُّوَلِ فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ.
فِي جَمِيْعِ مَيَادِيْنِ الْحَيَاةِ الاِقْتِصَادِيَّةِ وَالسَّيَاسِيَّةِ
وَالْحَضَارِيَّةِ، أَيْنَ نَحْنُ الْمُسْلِمِيْنَ الْيَوْمِ مِنْ أُوْلَئِكَ الْغَرْبِ؟
(نقل من كتاب تعليم اللغة العربية" ألفها د.
هديات للسنة الثالثة,صفحة ٥-٦ مع بعض التغاير)
Komentar
Posting Komentar